شیخ خزعل الکعبی

لم ترتبط شخصیة بشعبها وقضیتها و إستقلالها الوطنی الناجز مثلما إرتبطت شخصیة أمیر المحمرة و شیخ عربستان المرحوم الشیخ خزعل الکعبی بقضیة حریة و سیادة و إستقلال و عروبة الشعب العربی الأحوازی الذی فقد سیادته الکاملة بعد فقدان الشیخ خزعل لإمارته و إمارة أجداده و شعبه فی العشرین من نیسان / إبریل 1925 الذی کان یوم الغدر الدولی و البریطانی تحدیدا بأعرق إمارة عربیة خلیجیة شرق أوسطیة هی إمارة عربستان العربیة التی شکلت فی منتصف القرن التاسع عشر و حتى بدایات العقود الأولى للقرن العشرین محورا و مفصلا سیاسیا مرکزیا و ستراتیجیا فی صیاغة التاریخ الدبلوماسی و الحضاری لعموم منطقة الخلیج العربی لتلکم الفترة الحاسمة و الحساسة و التی تشکلت خلالها دول و کیانات و أختفت معها أیضا دول و کیانات و تیارات و توجهات ، لقد کانت إمارة المحمرة التی تسلم قیادتها إعتبارا من عام 1897 الشیخ التاریخی و الأسطوری خزعل بن جابر بن مرداو بن علی الکعبی العدنانی وجها حقیقیا معبرا عن أصالة الوجود الإستقلالی العربی منذ عصور التاریخ السحیقة ، کما کانت تلک الإمارة واحدة من أهم الکیانات السیاسیة حضورا و تشکلا و تشکیلا لتاریخ المنطقة الحدیث ، فکانت إمارة المحمرة مع إمارة الکویت بقیادة شیخها التاریخی و الأسطوری الشیخ مبارک الصباح و ولایة البصرة تحت قیادة السید طالب النقیب بمثابة الثلاثی السیاسی النشط الذی لعب أخطر و أهم الأدوار فی تاریخ الخلیج العربی الحدیث و یکفی القول أنه قد تم الإتفاق بین الشرکاء الثلاث الکویت و عربستان و البصرة على تشکیل کیان سیاسی فیدرالی موحد عام 1909 قبل أن تتکفل ترتیبات الحرب العالمیة الأولى و المخططات الدولیة من إجهاض ذلک الحلم الوحدوی الخلیجی و الذی لو تحقق لقلب الموازین الستراتیجیة الدولیة ، فلو تحقق قیام تلک الدولة العربیة فی شمال الخلیج و التی تشکل خارطتها حدوة حصان لأصبحت أکبر قوة بترولیة فی المنطقة نظرا لتمرکز الثروات النفطیة فی هذه المناطق الثلاث؟ و لکن لصانعی و راسمی الخرائط إرادات تعلو على خیارات الشعوب ، لقد کانت فرصة تاریخیة ذهبیة و هائلة لصناعة التاریخ الدبلوماسی و لکنها ضاعت ضمن أشیاء کثیرة ضاعت و أثرت نتائجها فیما بعد على مستقبل الشعوب بشکل عام ، و إمارة المحمرة أو عربستان التی إنتهت حیاتها و حیاة الوجود العربی المستقل فی جنوب غرب إیران و شرق العراق عام 1925 قد إرتبطت بإسم أمیرها الشیخ خزعل بن جابر بن مرداو بن علی الکعبی العدنانی الذی إستلم إمارتها منذ عام 1897 و الذی و لد فی المحمرة عام 1863 من أسرة عربیة مشهورة و من قبیلة بنی کعب التی أشتهرت فی تاریخ الخلیج العربی طیلة القرون الأخیرة ، فبعد التواطؤ البریطانی و التآمر مع حاکم إیران الإنقلابی العسکری الذی إنقلب على السلطنة القاجاریة المدعو رضا خان بهلوی تم إنهاء الحکم العربی عبر الإحتلال الإیرانی المباشر بقیادة الجنرال فضل الله خان زاهدی و إعتقال الشیخ العربی خزعل الکعبی بطریقة مخاتلة و جبانة و إرساله مخفورا لطهران لکی یعیش هناک تحت الإعتقال و الإقامة الجبریة حتى مصرعه فی ظروف غامضة قیل أنه تعرض للتسمیم و الإغتیال لکی یبعد نهائیا شبح الإستقلال و الحریة و الإنعتاق من قبضة الإمبراطوریة الإیرانیة التی أحکمت الخناق على شعوب المنطقة وقتذاک و فی طلیعتها الشعب العربی الأحوازی الذی إرتبطت ذاکرته التاریخیة و حریته الإستقلالیة بإسم و ذکرى الشیخ خزعل ، و رغم الغدر بحریة عربستان و التواطؤ المفضوح لسلخها عن العالم العربی و إغتصاب عذریتها العربیة و القومیة إلا أن عربستان ظلت على مدى سنوات و عقود الإحتلال الطویلة و التی تجاوزت الثمانین حولا شوکة فی عیون المحتلین ، فبعد إعتقال الشیخ خزعل و إنهاء الحکم العربی بالکامل کانت الثورة الشعبیة الأولى فی التاریخ الأحوازی المعاصر التی قام بها فی 22تموز/ یولیو 1925 حرس الشیخ خزعل الخاص و التی کانت تطالب بإعادة الشیخ لإمارته ، وردت الحکومة الشاهانیة بإعدام الثوار و منهم شلش و سلطان کما رفع رجال الدین فی الأحواز عالیا مطالبین بعودة الشیخ خزعل و منهم الشیخ عبد المحسن الخاقانی ، إلا أن إخماد الثورة الشعبیة لم ینه القضیة بل عمد الإحتلال الإیرانی لمحاولة ترکیز و ترسیخ وجوده الإستیطانی و مسخ الهویة الأحوازیة ، ففی نوفمبر 1928 أصدر رضا شاه قرارا رسمیا یمنع العرب فیه من إرتداء لباسهم التقلیدی فی إقلیم عربستان المحتل فیما تضامن رجال الدین فی عربستان و العراق مع الحرکة الإستقلالیة الأحوازیة و رفعوا الموضوع لعصبة الأمم المتحدة التی کانت مشغولة بالکامل بالتوتر فی اوروبا مع صعود التیارات الفاشیة و النازیة و فی 25 مایو 1935 تم إغتیال الشیخ خزعل فی طهران و التخلص من الرمز الوطنی الشاخص فی شخصه الذی أقض مضاجع الغزاة و المحتلین و الطغاة ، و لم یکتف الطغام بقتل الشیخ خزعل بل عمدوا فی عام 1936 لقتل إبنه الشیخ عبد الحمید مما عجل فی مایو 1936 بقیام ثورة بنی طرف الأولى ، الأمر الذی دفع السلطات الإیرانیة لتعزیز سیاسة التفریس فی الأحواز ، وفی فبرایر 1940 ثار بنو کعب بقیادة الشیوخ حیدر بن طلیل و مهدی بن علی و إبریج الخزرجی و داود الحمود و کوکز بن حمد الکنانی و التی قمعها الإحتلال أیضا ، وفی عام 1941 حدثت إنتفاضة بنو طرف الثانیة ، وفی عام 1943 دخلت العشائر العربیة الأحوازیة من البصرة لمدینة المحمرة و بایعت الشیخ جاسب بن الشیخ خزعل بالإمارة إلا أن وقوف القوات البریطانیة و الحکومة العراقیة بجانب نظام الشاه عجل بفشل الثورة و إنسحاب العشائر ، وفی فبرایر 1945 ثار بنو طرف مرة ثالثة و قمعت الحکومة تلک الإنتفاضة بعنف شدید و تم تسفیر و إبعاد 1400 مواطن عربی أحوازی للجبال مشیا على الأقدام لم ینج منهم سوى أربعین فردا لا غیر ، ورغم القمع و التنکیل و التآمر إستمرت الثورات الشعبیة الأحوازیة مقدمة الغالی و النفیس و غیر آبهة بالخسائر و التضحیات ، و فی عام 1945 إجتمعت العشائر العربیة الأحوازیة فی مؤتمر خاص للسعی لإعادة تکوین إمارة عربستان العربیة الحرة ، و کان التطور الکبیر فی یوم التاسع من ینایر عام 1946 و حیث أعلن الشیخ عبد الله بن الشیخ خزعل الثورة ضد الإحتلال الإیرانی لإسترجاع عروبة و سیادة عربستان و دخلت قواته المحمرة إلا أن الموقف البریطانی و العراقی السلبی قد فت من عضد الثوار فتم تهریب الشیخ عبد الله للکویت فیما تشتت أشقائه و جماعته حتى تحسن الظروف ، و أستمرت المحاولات التحرریة و تأسس حزب السعادة العربی الأحوازی من الشباب الطلائعی العربی الأحوازی المثقف و ردت السلطات افیرانیة بإعدام المناضلین کما هو دأبهم الیوم و اعدموا الشهید حداد بن هویدی و أسرته و فی عام 1946 أیضا أعلن الشیخ مذخور الکعبی الثورة ، و توسعت القضیة الأحوازیة التحرریة التی تبناها أیضا حزب الإستقلال العراقی بقیادة محمد مهدی کبة و تواصل النضال و الکفاح بأشکال و صیغ مختلفة حتى عام 1964 الذی شهد إنتخاب الشیخ راشد بن الشیخ خزعل لقیادة العمل الثوری فی عربستان فی ظل تبنی مؤتمر القمة العربیة فی القاهرة عام 1964 للملف الأحوازی و تأیید نظام الرئیس الراحل جمال عبد الناصر للحرکة الثوریة التحرریة الأحوازیة ، و طبعا خلال تلکم السنوات جرت میاه و دماء عدیدة تحت کل الجسور ، وحدثت تطورات سیاسیة مذهلة فی العالم العربی و تراجع الإهتمام العربی الرسمی بالملف الأحوازی إلا أن شباب الأحواز و طلائعه المثقفة لم تنکس الرایة و تتنکر لمطالب الإستقلال و الحریة و السیادة و ظلت ذکرى الشیخ العربی خزعل الکعبی تزعج مسامع الطغاة و دهاقنة الإحتلال الإستیطانی العنصری ، و بقی إسم الشهید خزعل الکعبی یطرز الذاکرة التاریخیة لملف الحریة الأحوازی الذی یشهد الیوم إنطلاقة ثوریة و حضاریة حقیقیة و بما یمهد فعلا لقیام الدولة العربیة الأحوازیة بعد هزیمة الطغاة و مشاریعهم التخریبیة و التدمیریة و حیث تغلی إیران الیوم و یغلی معها الشعب العربی الأحوازی إنتظارا لیوم الحریة المقدسة القادم القریب و الذی ستتغیر معه شیاء و مسلمات عدیدة ، و لعل فی الترکیز على رموز الحریة الأحوازیة فی هذه المرحلة دور مهم فی إنعاش الذاکرة التاریخیة لشعب عربی یستعد لمعانقة حریته و لتصحیح التاریخ الظالم.. و لا نامت أعین الجبناء و القتلة و الطغاة...؟